من
" سبل السلام"شرح بلوغ المرام للصنعانيحكم الدعاء بعد الصلاة: وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أن النبيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كانَ يقولُ في دُبُر كل صلاة مكتوبة:
"لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ لهُ، لهُ الملك ولهُ الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ، اللهم لا مانع لِمَا أَعْطَيْتَ، ولا مُعْطيَ لما مَنَعْتَ، ولا يَنْفَعُ ذا الجدِّ منْك الجدُّ" متفقٌ عليه.
(وعن المغيرة بن شعبة: أن النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يقول في دبر) قال في القاموس: الدبر بضم الدال وبضمتين: نقيض القبل من كل شيء، عقبه ومؤخره، وقال في الدبر محركة الدال والباء بالفتح: الصلاة في اخر
وقتها، وتسكن الباء ولا يقال بضمتين؛ فإنه من لحن المحدثين (كل صلاة مكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما مَنعت) ووقع عند عبد بن حميد بعده: "ولا راد
لما قضيت" (ولا ينفع ذا الجد منك الجدُّ. متفق عليه). زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة بعد قوله: "له الملك وله الحمد" ــــ "يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير" ورواته موثوقون، وثبت مثله عند البزار: من حديث
عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح، لكنه في القول: إذا أصبح وإذا أمسى.
ومعنى: "لا مانع لما أعطيت": أن من قضيت له بقضاء من رزق، أو غيره، لا يمنعه أحد عنه، ومعنى:
"لا معطي لما منعت": أنه من قضيت له بحرمان، لا معطى له. والجد بفتح الجيم كما سلف. قال البخاري: معناه الغنى، والمراد: لا ينفعه، ولا ينجيه حظه في الدنيا بالمال والولد والعظمة والسلطان، وإنما ينجيه فضلك ورحمتك.
والحديث دليل على استحباب هذا الدعاء عقب الصلوات، لما اشتمل على توحيد الله، ونسبة الأمر كله إليه، والمنع،
والإعطاء، وتمام القدرة.
وعن سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه، أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كانَ يَتَعَوَّذُ بهنَّ دُبُر كلِّ
صلاة: "اللهُمَّ إني أعوذُ بك من البخلِ وأعوذُ بك من الجبن، وأعوذُ بك من أن أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ العمر، وأعوذُ بك من فِتْنَةِ الدنيا، وأعوذُ بك من عذاب القبر" رواه البخاري.
(وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم كان يتعوَّذُ بهنَّ دُبُر كلِّ صلاة اللهُمَّ إنِّي أعوذ
بك) أي: ألتجيء إليك (من البُخْل) بضم الموحدة وسكون الخاء المعجمة. وفيه لغات (وأعوذُ بك من الجبن) بزنة البخل (وأعوذُ بك من أن أراد إلى أرذل العمر، وأعوذُ بك من فتنة الدنيا، وأعوذُ بك من عذاب القبر. رواه البخاري).
قوله: دبر الصلاة هنا، وفي الأول، يحتمل، أنه قبل الخروج؛ لأن دبر الحيوان منه، وعليه بعض أئمّة الحديث،
ويحتمل: أنه بعدها، وهو أقرب. والمراد بالصلاة عند الإطلاق: المفروضة. والتعوذ من البخل قد كثر في الأحاديث، قيل: والمقصود منه: منع ما يجب بذله من المال شرعاً، أو عادة. والجبن: هو المهابة للأشياء، والتأخر عن فعلها يقال منه: جبان، كسحاب: لمن قام به، والمتعوذ منه هو: التأخر عن الإقدام بالنفس إلى الجهاد الواجب، والتأخر:
عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك. والمراد من الرد إلى أرذل العمر: هو بلوغ الهرم والخرف حتى يعود، كهيئته الأولى في أوان الطفولية، ضعيف البنية، سخيف العقل، قليل الفهم. وأما فتنة الدنيا، فهي: الافتتان بشهواتها وزخارفها، حتى تلهيه عن القيام بالواجبات، التي خلق لها العبد، وهي عبادة بارئه وخالقه، وهو المراد من قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} وتقدم الكلام على عذاب القبر.
[رح
[1]55]ـــوعن ثوبان رضي الله عنهُ قالَ: كانَ رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا
انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً، وقال: "اللهمَّ أنت السّلام ومنك السلام،تباركت يا ذا الجلال والإكرام" رواه مسلم.
(وعن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إذا انصرف من صلاته) أي سلم منها (استغفر الله ثلاثاً) بلفظ: أستغفر الله. وفي الأذكار للنووي: قيل للأوزاعي، وهو أحد رواة هذا الحديث: كيف
الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله أستغفر الله (وقال: اللهُمَّ أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، رواه مسلم).
والاستغفار: إشارة إلى أن العبد لا يقوم بحق عبادة مولاه؛ لما يعرض له من الوساوس والخواطر، فشرع له الاستغفار
تداركاً لذلك.
وشرع له: أن يصف ربه بالسلام، كما وصف به نفسه، والمراد: ذو السلامة من كل نقص وافة، مصدر وصف به للمبالغة
"ومنك السلام" أي منك نطلب السلامة من شرور الدنيا والاخرة، والمراد بقوله: يا ذا الجلال والإكرام: يا ذا الغنى المطلق والفضل التام، وقيل: الذي عنده الجلال والإكرام لعباده المخلصين، وهو من عظائم صفاته تعالى، ولذا قال صَلّى الله
عَلَيْهِ وَسَلّم: "ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام" ومر برجل يصلي وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: "قد استجيب لك".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "من سَبّح الله دُبر كل صلاة
ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبّر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تِسْعٌ وتسْعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ، وله الحمْد، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، غفرَت خطاياه، ولوْ كانتْ مِثْلَ
زَبَدِ البَحْر" رواه مسلمٌ، وفي رواية أخرى: أنَّ التكبير أربعٌ وثلاثون.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: من سبّح الله دُبُر كلِّ صلاة ثلاثاً وثلاثين) يقول: سبحان الله (وحمد الله ثلاثاً وثلاثين) يقول: الحمد لله (وكبر الله ثلاثاً وثلاثين)
يقول: الله أكبر (فتلك تسعٌ وتسعون) عدد أسماء الله الحسنى (وقال تمام المائة: لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمْدُ، وهُوَ على كلِّ شيء
قديرٌ، غُفِرَت خطاياه، ولو كانت مثل زَبَد البحر) وهو ما يعلو عليه عند اضطرابه
(رواه مسلم، وفي رواية أخرى) لمسلم، عن أبي هريرة: (أنَّ التكبير أربعٌ وثلاثون)
وبه تتم المائة، فينبغي العمل بهذا تارة، وبالتهليل أخرى؛ ليكون قد عمل بالروايتين.
وأما الجمع بينهما، كما قال الشارح، وسبقه غيره، فليس بوجه؛ لأنه لم يرد الجمع بينهما، ولأنه يخرج العدد عن
المائة، هذا.
وللحديث سبب، وهو: "أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم، وقالوا: يا رسول
الله، قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلى، والنعيم المقيم، فقال: وما ذلك؟ قالوا:
يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال
رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: أفلا أعلمكم شيئاً، تدركون به من سبقكم،
وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا
بلى: قال: سبحوا الله. الحديث" وكيفية التسبيح وأخويه كما ذكرناه. وقيل:
يقول: سبحان الله والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين.
وقد ورد في البخاري من حديث أبي هريرة أيضاً: "يسبحون عشراً، يحمدون عشراً، ويكبرون عشراً". وفي صفة
أخرى: "يسبحون خمساً وعشرين تسبيحة، ومثلها تحميداً، ومثلها تكبيراً، ومثله لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فتتم المائة".
ي
تبغ......يتبغ.....يتبع