من لا يكتم ماضيه يتحمل العواقب!!
المشكلة التي تؤرقني هي أن خطيبي سألني عن حياتي السابقة، فأجبته بنفي أي علاقة سابقة؛ لأنني اعتبرتها مراهقة ليس إلا، وأيضا خوفا من افتراقنا لهذه الأسباب الماضية؛ فبدأت معه حياة جديدة نزيهة، لكن يؤرقني عدم مصارحته بالحقيقة، علمًا بأنها ستجلب الكثير من المشاكل.. فماذا أفعل؟
في البداية تقول د. ليلي أحمد :
سبق أن بينا أن على الرجل أن يتحرى سلوك الفتاة التي يريد خطبتها من معارفها وأقاربها وتحري سمعة أهلها، وليس له أن يسألها عن ماضيها، وعليها ألا تصارحه بأي ذنب ارتكبته بحق نفسها ما دام لم يعلم به إلا ربها، وما يتوجب على الفتاة يتوجب على الشاب؛ لأن كلا منا آتيه يوم القيامة فردا، وهو الذي يسألنا عن أعمالنا وما قدمنا وما أخرنا، وليس لأحد أن يحاسب أحدا خاصة على أخطاء كانت بين العبد وربه وسترها الله سبحانه.
لذلك أنت لم تخطئي عندما أنكرت علاقاتك السابقة؛ إذ إن مصارحتك لخطيبك بالطبع ستجر الشكوك إلى رأسه، وقد يتخيل ما هو أكبر من مجرد الحديث أو الخروج، وإذا مرَّرها لك وعفا عنها أمامك فما الذي يكفل لك ألا تبقى أخطاؤك هاجسا له لا يستطيع منها فكاكا؟ وما الذي يضمن لك ألا يعظمها له شيطانه ليفرق بينكما بعد الزواج؟
إذن معاصيك السابقة يجب أن تعلمي أنها أصبحت في غياهب الماضي فلا تتذكريها ولا تذكريها أمام أحد، خاصة وأنت -والحمد لله- قد بدأت صفحة جديدة في حياتك، وما عليك فعله أن تأتي الأفعال الخيرة دائما كي تكفري عن ذنوبك الماضية، كما قال عليه الصلاة والسلام: "وأتبع السيئة الحسنة تمحُها"، واطلبي من ربك أن يثبتك على صراطه المستقيم، ليس من أجل خطيبك فقط، بل لأنه شتان بين حياة الإيمان والهدى وحياة التيه والضلال، فاسألي ربك أن يديم عليك هذه النعمة ويُتمَّها عليك بأن يجعل هذا الخطيب قرة عين لك، وأن يهبك منه بعد الزواج الذرية الصالحة: "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما".
طبعا لا أنسى أن أفرق بين حالة الشاب والفتاة في مجتمعنا؛ فإنهما وإن كانا متساويين في الذنب والعقوبة أمام الله فإن المجتمع يغفر للشاب ما لا يغفره للفتاة، وهذا يستدعي أن تكون الفتاة أكثر حرصًا على نفسها وسمعتها, ولعل للمجتمع عذرًا في هذا التفريق، وهو أن المرأة هي التي تغوي الرجل وليس العكس، وقد بينت السبب أكثر من مرة، وهو أن الإثارة ميزة أنثوية؛ والمجتمع الذي تحافظ فيه النساء على الفضيلة هو مجتمع فاضل حتى لو انحرف رجاله، أما حين تفسد النساء فقولي على المجتمع السلام، ويكفي بتحلل المرأة في المجتمعات الغربية دليلا على ما أقول.
ويضيف د. أحمد عبد الله :
هذا تعليق على "الشق العام" في قصة الأخت السائلة وإجابة المستشارة؛ حيث أرجو ألا يكون من قبيل التكرار الممل أن نقول لكل سائل عن ماضيه، ولكل سائلة كانت لها "مغامرات" قبل الزواج: إن العلاقة التي بين الإنسان وجسده هي علاقة خاصة، ينبغي ألا يعلم عنها أحد شيئًا، وحسابها عند الله سبحانه.. هو يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وهو يشهد فيسمع سبحانه ويرى، ويتوب الله على من تاب؛ لأنه سبحانه وحده دون شريك يعلم صدق التوبة من عدمه.
وعندما نحذر وننبه إخواننا وأخواتنا إلى عدم الوقوع في المعصية أو الانحرافات الخاصة بالجسد؛ فإنما نفعل ذلك خوفًا عليهم من عقاب الله ومن عذاب الضمير، ونرجو أن التائب حبيب الرحمن، وأنه يكون كمن لا ذنب له، ولكن وخز الضمير أحيانًا يظل مستمرًا وقاسيًا، وقد يزيد إبليس منه ضغطًا على نفس الشاب أو الفتاة، وبدلا من تقوية الصلة بالله، وتأكيد التوبة، ومضاعفة الحسنات حتى يذهبن السيئات.. يتحرك البعض في الاتجاه الخاطئ ببلاهة أو محاولة لتسكين الآم الضمير، وضغوط الماضي..
والخطوة الشائعة في حياة الكثيرين والكثيرات هي مصارحة الشريك بما ستره الله سبحانه من قبل، وقلنا وكررنا ونكرر أن هذا خطأ شرعي ونفسي واجتماعي يتحمل فاعله مسئولية رعونته.
وألفت النظر هنا إلى أن النتائج التي تترتب على هذه المصارحة تكون ثمنًا لضعف الفقه، أو قلة الحيلة، أو غياب الفهم، وعجز النفس عن كتمان السر، وخور الإرادة عن مواصلة برامج التوبة، واستثمار الشعور بالذنب ليكون دافعًا للفعل الإيجابي لا مثبطًا ومقعدًا عنه.
وعلى ذلك فإنني بدلا من أن أطالب الشاب الذي تأتي إليه شريكته -خطيبة كانت أو زوجة- فتقول له فعلت كذا وكذا وكذا في الماضي، طامحة إلى تسامحه وتجاوزه.. أقول له: عليك أن تتجاوز الفهم التقليدي عن العفة المرتبط بسلامة الغشاء... إلخ هذا الكلام أشدد على أن من لا يستطيع فهم حالته وكتمان سره، ويذهب فيفضح نفسه وقد ستره الله سبحانه.. فإن عليه أن يتحمل عاقبة هذا. والطرف الذي يعلم الفاحشة عن الطرف الآخر يكون أمامه الخيار الواضح في المواصلة أو في إنهاء العلاقة، والطرف الذي لم يكتم أمره واتخذ خطوة في الاتجاه الخطأ هو الذي يضع العلاقة في مفترق طرق حاد دون أدنى داع لهذا، وليس هذا المفترق الحاد هو الموضع المناسب لنقول فيه لمن بلغه الأمر عن شريكه: تجاوز وتسامح، واقبل التوبة؛ لأن الله يقبلها.. لأن هذا الطرف المصدوم بما سمع ليس الله، ولن يكون كذلك!!
ولا يتعارض موقف الاختيار الصعب الذي أشرحه هنا واحتمالية الانعطاف إلى اتجاه الغفران أو اتجاه الانفصال بما يقتضيه هذا أو ذاك من التزامات وتبعات تحفظ السر فلا يشيع، وتصون السلامة النفسية للطرفين فلا تهددها ذكريات ماض، لا يتعارض قولنا هذا في حالتنا هذه مع قولنا في سياق آخر: إن العفة أكبر من مجرد الغشاء، وإن سلامة الغشاء وحدها لا تكاد تعني شيئا فيما يخص العفة والطهارة، كما أن انفضاضه بحادث أو استمناء لا يعني غياب العفة بمعناها الواسع العميق.
من أخطأ أو من أخطأت فلا بد من الكتمان فهو الصواب العقلي والشرعي، ومن سيبوح فعليه أن يتحمل نتيجة عدم قدرته على الصمت، والالتزام من البداية أفضل من ذلك كله.
وعند المفترق.. فإن من يجد في العلاقة مع الشريك رصيدًا يجب أن يحافظ عليه، ووجد في نفسه سعة لغفران جميل لا لوم معه، ولا تغيير بعده.. فالله حسبه وهو يجازيه على قدر نيته بفضله سبحانه الواسع، وعطائه الذي لا ينفد، ومن لا يجد في العلاقة هذا الرصيد، أو لا يجد في نفسه تلك السعة فالتفريق أولى من جحيم يدوم لمن يأخذ على عاتقه ما يفوق قدرته، وأحيانا فإن من كانت له -هو الآخر- مغامرات يكون ربما أقدر على التجاوز والغفران، وقد يكون العكس.