بسم الله الرحمن الريحم
البكاء.. راحة وشفاء للنفس
توصل الباحثون إلى أن الحصول على فوائد، نفسية أو بدنية أو اجتماعية، من عملية
البكاء، يعتمد بشكل كبير على ما الذي بعث على البكاء، وأين حصل ذلك، ومتى انتابت
الشخص تلك النوبة المعينة من البكاء. ووجد الباحثون أن غالبية الأشخاص المشمولين في
الدراسة، حوالي 60%، وصفوا شعورهم بُعيد نوبة بكائهم، بأنه
«تحسّن» و«ارتفاع» في مستوى المزاج النفسي والذهني. ومع
ذلك، ذكر حوالي 30% أنهم لم يشعروا بذلك الإحساس النفسي الجيد والمُريح، بُعيد نوبة
البكاء، إلا أن 10% ذكروا خلاف ذلك كله، حيث وصفوا إحساسهم بعد نوبة البكاء بأنه
غدا أسوأ.
وبالمراجعة الأدق، وجد الباحثون أن الأشخاص
المُصابين بحالات مزمنة من القلق والتوتر، هم أقل استفادة بالبكاء وأكثر شعوراً بعدم الارتياح بعده.
* هورمونات التوتر * وما
يُميز ذرف الدموع في البكاء، عن الأسباب الطبيعية الأخرى لخروج الدموع من الغدد
الدمعية للعين، هو خلو البكاء من مهيجات تُثير أياً من أجزاء العين. ومعلوم أن تعرض
بعض أجزاء العين لعناصر مُهيجة، كالمواد الكيميائية أو الميكروبات أو الأجسام
الغريبة، يُحفّز خروج الدموع من الغدد الدمعية للعين، وذلك كأحد وسائل حماية
العين.
لكن في حالة البكاء، تُثار الغدد الدمعية عبر إشارات تصلها من مراكز
في الدماغ معنية بالتفاعل العاطفي. ولا تزال الغالبية في الأوساط العلمية تعتقد بأن
الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يذرف الدموع تفاعلاً مع حالة عاطفية تعتريه، وأن الحيوانات بأنواعها لا تملك هذه السمة
والميزة.
وتشير الدراسات الطبية الإحصائية إلى أن
معدل بكاء الرجل هو مرة في كل شهر، ومعدل بكاء المرأة هو خمس مرات على أقل تقدير شهرياً. ويرتبط ارتفاع معدل بكاء المرأة بالتغيرات
الهورمونية التي تعتريها بسبب الدورة الشهرية. أي دونما علاقة مباشرة بالحزن أو
الاكتئاب أو الغضب.
وتشير المصادر الطبية إلى أن دموع البكاء، تختلف في
النوعية عن الدمع الذي يخرج من العين في الأوقات الأخرى. وبالتحليل الكيميائي
يُلاحظ
ارتفاع نسبة هورمون «برولاكتين» وغيره من الهورمونات الأخرى ذات العلاقة بحالات التوتر، كذلك ارتفاع نسبة البوتاسيوم
والمنغنيز.
وهناك من يرى أن احتواء دموع البكاء على كميات من عدة هورمونات
مرتبطة بالتوتر وغيره، هو السبب وراء الراحة النفسية التي يشعر المرء بها بُعيد
انتهاء نوبة البكاء. كما أن تفاعل الجسم مع تراكم وارتفاع نسبة هورمونات التوتر هو
بالبكاء لتخليص الجسم منها. والأسباب الباعثة على بكاء الإنسان الكبير أو الصغير،
والذكر أو الأنثى، تتفاوت ما بين التفاعل مع إصابات بالألم في إحدى مناطق الجسم،
أياً كان مصدر الألم، لتصل الأسباب إلى معان عاطفية مرتبطة بالتسبب في الألم النفسي
أو الحزن أو الغضب أو حتى الفرح.
* بكاء المختبرات* ولاحظ الباحثون أمراً مهماً، وهو أن الأشخاص الذين
ينالون دعماً اجتماعياً، من شريك الحياة أو أحد الأقارب أو الأصدقاء، خلال نوبة
البكاء، هم أكثر احتمالاً للشعور بالراحة والطمأنينة بُعيد ذلك.
وذكر
الباحثون، في حيثيات دراستهم، أن العلماء حتى اليوم
لم يتوصلوا إلى معرفة تفاصيل واضحة حول حقيقة فوائد البكاء. وفي جانب كان السبب
وراء عدم اتضاح الصورة هو كيفية إجرائهم للدراسة العلمية حول البكاء. وأضاف
الباحثون، أن ثمة عدة تحديات معيقة للتوصل إلى دقّة في النتائج عند إجراء دراسات
على البكاء في داخل المختبرات. ذلك أن هؤلاء المتطوعين للمشاركة في الدراسة
بالمختبر، الذين يتم عليهم رصد البكاء وتأثيراته، لا يذكرون عادة أنهم أحسّوا
بالتطهر والنقاء بُعيد نوبة البكاء التي تحصل نتيجة للتحفيز عليها في المختبر، كما
لا يذكرون بأنهم شعروا بحال أفضل. وعلى العكس، فإن تحفيز الإنسان على البكاء في
داخل المختبر يجعله يشعر بالسوء بعيد ذلك. وعلل الباحثون ذلك، الذي ظهر في دراسات
البكاء السابقة التي تمت في المختبرات، بأن الشخص يُعايش في المختبر ظروفاً مُجهدة
وتتسبب له بالتوتر، مثل تصوير بكائه وما يصدر عنه آنذاك بكاميرات الفيديو، ومعلوم
أن المرء الطبيعي يخجل عادة من رؤية الغير له وهو يبكي، ناهيك عن تسجيل ذلك له
بالصوت والصورة. ومثل إحساس المرء الباكي بأنه مُراقب من الباحثين ومن مساعديهم،
ومعلوم أن هؤلاء قد لا يعنيهم ذلك الشخص وقد لا يتعاطفون مع مشاعره، وهو ما يعلمه
الشخص الذي تُجرى عليه التجربة البكائية. وبالنتيجة فإن هذه المشاعر النفسية
السلبية ستتغلب في أكثر الأحوال على المشاعر الإيجابية التي قد يُخلفها البكاء لدى
الإنسان.
ومع ذلك، فإن دراسات البكاء هذه التي تمت في المختبرات، قدّمت لنا
نتائج لافتة للنظر ومهمة حول التأثيرات العضوية الفسيولوجية للبكاء في مختلف أجهزة
وأعضاء الجسم. ومن ذلك أن
البكاء له تأثير مُهدئ ومُسكن للتنفس، وله أيضاً تأثيرات غير مُريحة، كزيادة نبضات القلب وزيادة إفراز
العرق والتوتر. لكن ما توصلت الدراسات السابقة إليه في الجانب العضوي أن التأثيرات
المُسكّنة للبكاء تستمر فترة أطول من التأثيرات غير المُريحة. وهذا ما يُبرر لنا
سبب تذكر الناس الجانب المُريح للبكاء ونسيانهم الجانب غير المُريح فيه.