لاتكن لينا حتى تعصر ولا قاسيا حتى تكسر

بسم الله الرحمان الرحيم

لاتكن لينا حتى تعصر ولا قاسيا حتى تكسر

ــــ لكل انسان غرائز شتّى مختلفة كالحلم , و الجود و البخل , و السرور و الحزن , و الغضب و الرضا , و اللين و الشدة , و المتصرف في تلك القوى و الحاكم بينهما بالقسط واضعا كلا موضعه هو العقل , فيه تدرك اللين و الشدة .
اللين هو سهولة الأخلاق في جميع المعاملات , و الشدة قسوة القول في كافة الصفات , و من بنى جميع أعماله على احدهما ألقى بنفسه الى الهلاك و الضلال , و باء بالخسران و الدمار و الوبال , و من قرأ التاريخ يرى عجب العجاب , و يقف على أسباب التغير الناتج من احداهما و الانقلاب .
هذا الحاكم بأمر الله الفاطمي اتخذ الشدة عادته في جميع أعماله , و سائر أحواله , فوقع في ارتباك شديد .
و هذا المنتصر بن الظاهر الفاطمي اتخذ اللين ديدنه , و السهولة شيمته , و لذا كان لا يبالي بما يقع في الدولة من الأخطار الجسيمة فانتشر الفشل في الرعية , و وقع النزاع بين جيشه , و قامت الحروب في البلاد و اشتد القحط , و أكل الناس بعضهم بعضا , حتى ابتاعوا الكلاب و القطط بعشرات الدنانير - و قلما كانت توجد .
و هذا اسكندر ذو القرنين و ضع الشدة في موضعها و اللين في موضعه , فبشدته غلبت فئته القليلة فئة "دارا" الكثيرة و ملك البلاد , و قهر الأجناد , وبلينه ملك القلوب و استقام له الملك .
فما أحسن من وضع كلا في موضعه , و أنزل كلا في درجته و موقعه , و من قصرت بصيرته و زاغت عقيدته فلم يهتدي للصواب , و لا يعرف من أين يطرق الباب و لا يميز بين من يقوّمه الحسام و بين من يصلحه الكلام , فالأولى به سلوك طريق اللين فقط , اتقاء من شدة الأخطار و الوقوع في المصائب و المضار . و لذى نرى كثيرين اتبعوا خطة اللين لأنه أقوى تأثير في النفوس و لأنه خير الأمرين و أقوم الطريقين و أعدل الحكمين , قال الله تعالى ( ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولى حميم و ما يلقاها الذين صبروا و ما يلقاها الا ذو حظ عظيم ) , و قيل الماء مع رقته , فتت الحجر مع شدته .
قال احد الشعراء :
ولــــــى فـــــــرس للشر ملجم
ولى فرس للخير بالخير مسرج
فمن أم تقويمي فانـــي مقوم
و من رام تعويجي فاني معوج
و للحلم أوقات و للجهل مثلــها
و لكن أوقاتي الى الحلم أحوج