نظمت مجلة "التبيان" الشهرية الصادرة عن الجمعية الشرعية ندوة تحت عنوان: "التربية السلوكية الإسلامية للأولاد" حاضر فيها الأستاذ الدكتور محمد عبد الفتاح المهدى أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، والأستاذ الدكتور محمدالمختار المهدى الرئيس العام للجمعيات الشرعية عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأدارها وقدم لها الأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية رئيس تحرير المجلة.
وقال الدكتور عبد الحليم عويس في كلمته في أول الندوة أن المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها مطالبون اليوم أكثر من أى وقت مضى بالحفاظ على نظام الأسرة؛ لأن الأمة الإسلامية أمة مستهدفة خاصة أن المستكبرين والمستعلين فى الأرض هم مفسدون يريدون تغيير وتبديل شريعة الله وتحريف دينه وقيمه الثابتة عبر التاريخ، بهدم الحياة الإنسانية وهدم الأسرة وقطع الصلة بين الآباء والأبناء والامهات.
يضيف الدكتور عبد الحليم عويس: إن هؤلاء المفسدين والمستكبرين فى الأرض مازالوا يمارسون ضغوطهم من أجل تغيير الطبيعة الإنسانية وإباحة الشذوذ واللواط والسحاق والزنا، مشيراً فى الوقت نفسه إلى أن الجديد فى هذه المسألة ليس فى انتشار اللواط والشذوذ وغيرهما، ولكن فى تبنى حضارات ودول لهذه القيم الفاسدة وفرضها على الناس، حتى أن هناك منظمات دولية عديدة تقف وراء ذلك وترغم علماء الدين على التوقيع على ما يريدون لتحقيق أهدافهم بأساليب ملتوية وبألفاظ مزخرفة ومطاطة لخداع الناس. ورغم ما يكيده أعداء الإسلام لأبنائه كما يوضح الدكتور عبد الحليم عويس فإن الإسلام سيبقى دائماً له منظومته التى لا يمكن أن تهتز وله أيضا مرجعيته الثابتة؛ لأن سقوط هذه الأمة يعنى سقوط الراية الإنسانية كلها وغرق السفينة البشرية، بل سيحاسب الله تعالى هذه الأمة على مافرطت فى واجبها نحو ربها ودينها وأولادها وأسرها، فقد وصف الله دعوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 107)، وجعلهم الله تعالى شهداء على الناس للحفاظ على موازين الحق ومقوماته.
وفى هذا الإطار أكد الدكتور عبد الحليم عويس أنه لكى يتحقق ذلك للأمة الإسلامية لابد أن ينطلق كل مسلم من بيته ومن تربيته لأبنائه، وأن يتقرب كل أب من زوجته وأولاده بالحب والرحمة لأن الأسرة أول حصن يتحصن به الإنسان، كذلك لابد أن يعلمهم شرائع دينهم وعقيدتهم للحفاظ على هويتهم.
وفى مستهل حديثة استعرض إمام أهل السنة أهم ما جاء من مخالفات فى قانون الطفل محذراً من هذه المخالفات التى تجعل المرجعية الأصلية فى تنشئة الطفل وتعليمه للوثائق الدولية لا للشريعة الإسلامية، وتحت ضغوط سياسية واقتصادية ومعونات خارجية، وقد وقعت مصر على هذه المواثيق بلغتيها العربية والأجنبية، وإذا كان للصيغة الإنجليزية مدلولها الخاص فإن الصيغة العربية أيضا كان فيها تزييف وتحريف وغيوم وضبابية لأن القائمين على كتابة بنود هذه القوانين اختاروا بعض الألفاظ المطاطة.
وضرب الإمام أمثلة لهذه الألفاظ المزيفة والخادعة كاستخدام ألفاظ من قبيل حقوق الإنسان والحرية والمساواة، وكل هذه الألفاظ لها مفهوم خاص فى الإسلام، لكن الحرية عندهم مطلقة بمعنى أن المرأة عندهم حرة فى بدنها وعرضها تمنحه لمن تشاء، والمساواة عندهم مساواة فى كل شىء.
ومن المخالفات التى توجد فى قانون الطفل أيضا رفع سن الطفولة إلى 18 عاماً، ورصد فضيلة الإمام مساوئ رفع سن الطفولة وأكد أنه بناء على هذا البند فإنهم منعوا توثيق الزواج قبل 18 عاماً، بل وطالبوا مجمع البحوث الإسلامية بإصدار فتوى خاصة فى هذا الشأن على اعتبار أن للحاكم أن يقيد المباح، إلا أن مجمع البحوث الإسلامية رفض ذلك، لأن الزواج ليس حكمه مباحاً بإطلاق، بل أحياناً كثيرة يكون واجباً حين يخشى المرء على نفسه الوقوع فى الفاحشة، وهنا ليس للحاكم أن يقيد الواجب أو أن يحرم الحلال، خاصة فى ظل الإغراءات المختلفة التى يتعرض لها الشباب عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة وفى الشوارع، وما يعترى ذلك من وقوع الشباب الذى لا يستطيع أن يعف نفسه (بفعل هذه القوانين) فى الزنا والفاحشة كما أنهم يريدون إباحة الإجهاض دون ضوابط أو قيود.
ويضيف فى رصده لمساوئ البند الخاص برفع سن الطفولة إلى الـ 18 عاماً، ويرى أنه بناء على ذلك فإن أى جريمة ترتكب من طفل قبل الثامنة عشرة لابد أن تخفف فيها العقوبة، حتى ولو كانت قتلاً متعمداً، فلا يحكم عليه بالإعدام لأنهم يرون أنه مازال طفلاً!! وتخفف العقوبة إلى درجة التوبيخ فقط، وهذا يعنى أن هؤلاء الشباب قبل سن الثامنة عشرة يمكن استخدامهم فى أعمال الشغب والبلطجة والقتل والسرقة وغير ذلك، فالذين وضعوا هذا البند يريدون الحصول على أهدافهم بحجر واحد ليفوزوا بعصافير كثيرة، وجميعها يحض على إشاعة الفاحشة فى المجتمع وإشاعة الفوضى، حتى وإن كانت هناك تحفظات للأزهر الشريف على هذه البنود فإن هذه التحفظات لا قيمة لها عندهم مادامت المجالس الشعبية وقعت على هذه القوانين المعتمدة فى الوثائق التى خرجت من الأمم المتحدة.
وفى هذا الصدد يحذرالإمام بشدة من موافقة المجالس الشعبية سواء فى مصر أو فى غيرها من الدول الإسلامية، لأنه سينبنى على ذلك العديد من المفاسد للمجتمع المسلم، بل وينادى مجلس الشعب من منطلق الإيجابية التى تتميز بها الجمعية الشرعية أن ينظر جيداً فى هذه المخالفات الخاصة بقانون الطفل وهى مخالفات شرعية لا يقرّها مسلم يعرف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.ومعرباً فى الوقت ذاته عن ثقته في أن أعضاء مجلس الشعب المصرى لا يرضون لدين الله أن يحذف منه {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (النساء: 11) أو أن يسمح بإلغاء تعدد الزوجات أو إلغاء المهر، حيث تعتبر هذه القوانين نزولا بمكانة المرأة، أو إلغاء لقوامة الرجل على المرأة، وكلها أشياء تضرب فى ثوابت الشريعة التى هى أساس تربية وإصلاح سلوكيات المسلمين.
ومن جانبه أكد الدكتور محمد عبد الفتاح المهدى أن التربية ليست أمراً سهلاً لأنها تتعلق بتكوين أفضل مخلوق خلقه الله تعالى وكرمه، ولهذا يواجه الآباء الكثير من المصاعب فى التعامل مع الأبناء.
ويضع الدكتور عبد الفتاح المهدى تساؤلاً مفاده كيف يضطرب السلوك الإنسانى من بداية النشأة وكيف يجنح الطفل أو المراهق دون أن يدرى الأب أو الأم؟ ويجيب على ذلك موضحا أن هناك فرقاً بين نصائح وتوجيهات متفرقة يوجهها الآباء لأبنائهم وبين منهج تربوى متكامل يضع التربية فى إطار تعرف بدايته ونهايته وأشار د. المهدى إلى أنه نادراً ما يكون لدى الآباء مثل هذا المنهج.
وفى هذا الصدد يضع الدكتور عبد الفتاح المهدى بعض المفاتيح التربوية التى تساعد الآباء فى عملية التربية النفسية والاجتماعية للأبناء؛ وأولها: حب المربى وهى تركز على الجانب الوجدانى الذى هو من أهم الجوانب فى التربية لأن الطفل يعيش كثير من سنوات عمره غير عقلانى، وتكون أغلب تفاعلاته عاطفية تتأثر بالحب والحنان وليس بالكلام، فإذا أحب الطفل المربى فإنه يدخل فى حالة إندماج مع المربى يأخذ كلماته وطريقته وسلوكه وقيمه، ويدخل كل صفات المربى بداخله لأنه يحبه، وإذا لم يحب المربى فهو يرفض كل شيء يصدر عنه بل ويفعل عكسه تماماً، وهذا مانراه فى كثير من الآباء والآمهات، حيث يسيرون على طريق والأبناء يسيرون على طريق آخر.