كليلة و دمنة: الأسد و السنجاب

أكتب لكم من كتاب كليلة ودمنة، هو كتاب لطالما أعجبني لكثرة العبر فيه، وقصة اليوم
هي الأسد و السنجاب >>> لابدّ أن تحبّ لأخيك ماتحب لنفسك

كان الأسد يعيش في الغابة الكبيرة، و يتخذ من إحدى المغارات عرينا يسكنه مع أسرته،
وكان حول هذا العرين أرض فضاء واسعة تلعب فيها الأشبال، مع أمهم، تمرح، فإذا
ما إشتدت حرارة الشمس، إستلقوا تحت الأشجار ينعمن بالهدوء و الراحة.
و تصادف أن سنجابا كان يسكن إحدى هذه الأشجار الضخمة القريبة من عريت الأسد،
فنشأت صداقة حميمة بين السنجاب و الأسد و أسرته.
خرج الأسد ذات يوم للصيد مع زوجته، وغابا ساعات من النهار، فعادا بصيد ثمين، يأكلان منه ويطعمان شبليهما، إلا أن المفاجأة كانت في إنتظارهما.
فقد مر صياد قرب العرين في غياب الأسد، ولمح الشبلين يلهوان وحدهما، فصادهما، وسلخ جلدهما
وتركهما قتيلين ومضى قبل وصول الأسد وزوجته.
راح الأسد يرخ و يبكي، و كذلك زوجته التي مرّغت جسمها في تراب الأرض، وراحت تتوعد بالويل
لهذا الصياد، الذي لم يرحم أمومتها.
نظر السنجاب للأسد وقال:
-كم بلغت من العمر ياصديقي الأسد؟
أجابه الأسد:
-حوالي 20عاما
فأسرعت زوجته لتقول مقاطعة:
-لكنني أصغرمنه بعامين
ابتسم السنجاب وسألهما:
على أي شيئ كنتما تعيشان هذه السنوات؟ وماذا كنتما تطعمان صغاركما؟
أجابا :
كنا نصطاد الحيوانات، فنأكل و نطعم صغارنا.
سألهما السنجاب:
ألم يكن لهذه الحيوانات آباء و أمهات يبكونهم، كما تبكون شبليكما؟
صمت الأسد وزوجته، ولم يجيبا، ونظر كل واحد منهما للأخر ، و ظلاّ واجمين فترة
طويلة من الزمن، فقطعهما السنجاب:
-عشرات الوحوش و الحيوانات أحست يوما بما تشعرات به من حزن وأسى بعد أن
كنتما تصطادان صغارها، لكنهما لم يفعلا مثل ما فعلتما، ولابدّ أن تعلما أن في الحياة
قانونا يقول: كما تدين تدان.
اعتكف الأسد وزوجته أياما لا يخرجان من عرينهما، ولا يذهبان للصيد، حتى بدءا يشعران بالجوع والهزال، فبادرت الزوجة قائلة:
-لقد اتخذت قرارا يا زوجي، ولن أحيد عنه أبدا.
فسألها :
-وماهو هذا القرار؟
قالت: - لن آكل لحما بعد اليوم/ ولن أصيد حيوانا، وسأقتات بالثمار التي تملء الشجار حولنا.
أجاب زوجها:
-وأنا كذلك/ لن آكل بعد اليوم إلا ثمار الشجار
بدأ الأسد و زوجته في جمع الثمار، أكلها كل يوم إلى أن لقياالسنجاب الذي سألهما
عن حالهما، فأخبراه بما قررا. وعرف أنهما يأكلان ثمار الأشجار، فضحك ، وقال:
-كنت أظن أن الأشجار لم تحمل هذا العام ثمارا كافية، ولكنني عرفت الآن أين
تذهب الثمار.
طلب السنجاب من الأسد زوجته أن ينصتا لحديثه ، ثم قال:
-لقد خصّ الله كل مخلوق من مخلوقاته بما يناسبه من طعام، ومنحه من الرزق ما يكفيه،
ويكفي ذريته.
فلا تبدلا ما خصّه الله بكم، حتى لا تحرموا مخلوقات أخرى من رزقها، ولا تعرضوها للموت و الفناء.
أحبّوا لغيركم ما تحبون لأنفسكم، ولا تنازعوا غيركم نصيبه، و أرضوا بنصيبكم/ حتى تستقيم
أمور الحياة.
شكر الأسد وزوجته السنجاب، ثم انطلقا في الغابة، يبحثان عن صيد يقتاتان به، وعادا إلى طبيعتهما، راضين بواقعهما، سعيدين بأقدراهما.